مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ (تلفظ عربي: ( سماع))، المُشَرَّفي،(1) الوُهَيْبي،(2) التَّمِيمي،(3) الحنبلي،(4) النَّجدي.(5) وُلِد سنة 1115 هجريّ، في قرية العُيَينة في مِنطقة اليمامة من إقليم نجد، وسط شِبْه الجزيرة العربيَّة.
عالم دين سُنِّي يَعُدُّه أتباعه ومناصروه أحَد أبرز أئمَّة الإصلاح، ومُجدِّدي الدِّين الإسلامي في القرن الثَّاني عشر الهجري. فقد شرَع في دعوة المسلمين للعودة بالدِّين إلى ما كان عليه السَّلفُ الصَّالح في القرون الثلاثة الأولى المُفضَّلة، والتخلُّص مِمَّا عَدَّهُ بِدعًا وأفعالًا شِركيَّة انتشرت في أطراف الدَّولة العثمانيَّة حول ولاية الحِجاز وولاية اليمن والرُّبع الخالي.
الإمام المجدِّد | |
---|---|
محمَّد بن عبد الوهَّاب | |
اسم الشيخ محمد بن عبد الوهاب بخط الديواني. | |
معلومات شخصية | |
الميلاد | 1115 هجري ق. 1703 ميلادي العيينة، نجد |
الوفاة | آخر يوم اثنين من شوال 1203 هجري ق. 18 يونيو 1792 ميلادي الدرعية، الدولة السعودية الأولى |
سبب الوفاة | مرض |
مكان الدفن | مقبرة قريوة |
الإقامة | جزيرة العرب – البصرة |
الكنية | أبو عَليّ |
اللقب | شيخ الإسلام مجدد القرن الثاني عشر |
العرق | عربي |
الديانة | الإسلام |
المذهب الفقهي | حنبلي |
الطائفة | أهل السنة والجماعة |
العقيدة | أهل الحديث (سلفية) |
الزوجة | الجوهرة بنت عبد الله بن معمّر |
الأولاد | علي (الأول) -توفي صغيرًا- علي (الثاني) حسين حسن عبد الله إبراهيم عبد العزيز |
الأب | عبد الوهاب |
الأم | بنت محمد بن عزاز (لم يُشهر اسمها) |
الحياة العملية | |
العصر | الحقبة الحديثة المبكرة |
المنطقة | الجزيرة العربية |
تعلم لدى | عبد الوهاب (أبوه) · إبراهيم (عمُّه) · محمد حياة السندي · عبد الله بن فيروز · العجلوني · محمد المجموعي · عبد الله بن عبد اللطيف القاضي · علي أفندي الداغستاني · عبد الله بن سيف النجدي |
التلامذة المشهورون | قائمة تلاميذه |
اللغات | العربية |
أعمال بارزة | كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد |
مؤلف:محمد بن عبد الوهاب - ويكي مصدر | |
تعديل مصدري - تعديل |
شرع محمد بن عبد الوهاب في طلب العلم بعد حفظ القرآن الكريم في سن العاشرة، فقرأ على والده عبد الوهاب بن سليمان بن علي وأخذ عنه الفقه على المذهب الحنبلي بسنده المتصل بأئمة المذهب إلى الإمام أحمد بن حنبل. ثم انتقل إلى المدينة، وسافر إلى البصرة حيث بدأ في تصنيف كتابه الأشهر «كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد»، ثم نزل الأحساء وجالس شيوخها، ومنها قصد حريملاء حيث بدأ دعوته بين أهلها وأنهى فيها «كتاب التوحيد»، ولما كثُر إنكاره للأفعال التي رآها مُبتدعة وشركية، وقع بينه أهل حريملاء نزاع واعتراض على دعوته وحاول بعضهم اغتياله ليلًا، فخرج منها إلى العيينة مسقط رأسه حيث تلقاه أميرها حينها بالقبول وسانده في مشروع دعوته، واشتهرت أخباره حتى بلغ أمره سُلَيمان بن محمَّد رئيس الأحساء وبني خالد آنذاك، فأرسل على مرتين إلى عثمان كتابًا يتهدده فيه إن لم يقتل الشيخ محمد أو يخرجه من بلده بأن يقطع خراجه عنده في الأحساء، فتمَّ له ذلك. فاختار محمد بن عبد الوهاب الانتقال إلى الدرعية، لتنامي قوة إمارتها في ذلك الوقت ولاستقلاليتها وعدم وجود سلطة خارجية عليها، فناصره الإمام محمد بن سعود، فتمَّت البيعة بينهما التي عُرفت فيما بعد بميثاق الدرعية.
كثيرًا ما يُشار إلى الحركة التي بدأها ابن عبد الوهَّاب باسم «الوهَّابيَّة» وهو لقبٌ أطلقَه خُصومُه على حركته، إذ إنَّه لم يكُن يُسَمِّ دعوته باسمٍ مُعيَّن، كما أنَّ العديد من أتباعِه حاليًّا يَعُدُّون هذا المُصطَلح مَهينًا ويفضِّلونَ أن يُعرفوا بـ «السَّلفيَّة». بَيدَ أنَّ العديد من الباحثين يَعدُّون السَّلفيَّة مُصطلحًا يَنطبقُ على عِدَّة مدارسَ إسلامية في أجزاءٍ مختلفةٍ من العالم، في حين تُشيرُ الوهَّابيَّة على وجه التَّحديد إلى المدرسة السَّلفية السُّعوديَّة، التي كانت أكثرَ التزامًا وصرامةً من سائر المدارس السَّلفيَّة. وبحسب أحمد موصللي، أستاذ العلوم السياسيَّة في الجامعة الأميركيَّة في بيروت: «كقاعدة عامَّة: كلُّ الوهَّابيِّين سَلفيِّين، ولكنْ ليس كلُّ السَّلفيِّين وهَّابيِّين». فيما يرى آخرون أنَّه باتَ من الصَّعب التَّمييز بين السَّلفيَّة والوهَّابيَّة بحُلولِ السَّبعينيَّات، وذلك بوصف الوهَّابيَّة إحدى السَّلفيَّات المُحدَثة وليست السَّلفية، وإشكاليَّة العَلاقة بين سلفيَّة أهلِ الأثر القُدامى وسلفيَّة ابن تيميَّة، وصولًا إلى السَّلفيَّة (الوهَّابيَّة) المُحدَثة.
تُوفِّي محمَّد بن عبد الوهَّاب يوم الاثنين من آخر شوَّال سنة 1206 هجري في الدِّرعيَّة وله من العُمر 92 سنة، بعد مرضٍ ألمَّ به في أوَّل الشَّهر نفسه.
هو: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، بنِ سُلَيْمانَ، بنِ عَلِيِّ، بنِ مُحَمَّدِ، بنِ أحمَدَ، بنِ رَاشِدِ، بنِ بُرَيْدِ، بنِ مُحَمَّدِ، بنِ بُرَيْدِ، بنِ مُشَرَّفِ، بنِ عُمَرَ، بنِ مِعْضادِ، بنِ رَيِّسِ، بنِ زاخِرِ، بنِ مُحَمَّدِ، بنِ عَلَوِيِّ، بنِ وُهَيْبِ، بنِ قاسِمِ، بنِ مُوسَى، بنِ مَسعُودِ، بنِ عُقبَةَ، بنِ سُنَيْعِ، بنِ نَهْشَلِ، بنِ شَدَّادِ، بنِ زُهَيرِ، بنِ شِهابِ، بنِ رَبِيعةَ، بنِ أبِي سَودِ، بنِ مالِكِ، بنِ حَنظَلَةَ، بنِ مالِكِ، بنِ زَيدِ مَناةَ، بنِ تَمِيمِ، بنِ مُرِّ، بنِ أُدِّ، بنِ طابِخةَ، بنِ إِليَاسَ، بنِ مُضَرَ، بنِ نِزارِ، بنِ مَعَدِّ، بنِ عَدنان.
يُنسَب لأُسرتهِ عددٌ من علماءِ الدِّين:
تزوَّج "الجوهرة بنت عبد الله بن معمَّر" ابنة الأمير عبد الله بن محمَّد بن حمد بن معمَّر وعمَّة أمير العُيَينة آنذاك عثمان بن حَمد بن معمَّر بعد أن دخلها قادمًا من حُرَيملاء. وله منها 6 أبناء؛ عليّ وحسين وعبد الله وإبراهيم وحسن وعبد العزيز، والأخيرانِ تُوفّيا في حياة والِدِهِما. ولم يُحصر عددُ بناتِه، لكنّ ما عُرف منهنَّ 9 فقط وهُنَّ؛ فاطمة وسارَّة وقويت وشايْعة -ضد خافية- وهَيَا ولطيفة ومُنيرة والجوهرة وموضي.
ذرّيَّة محمَّد بن عبد الوهَّاب في الرِّياض ومكَّة وبيشة وأبها والحريق، وحُملَ بعضُهم أسرى إلى مِصر وحصل بذلك بعضُ الانتشارِ لدعوة محمَّد بن عبد الوهَّاب في مِصر.
ظهر على محمد بن عبد الوهاب علامات النجابة والفطنة في صغره؛ فقد حفظ القرآن الكريم قبل بلوغ العاشرة، وبلغ الاحتلام (سن الرشد) قبل إتمام 12 سنة من عمره، قال أبوه: رأيته أهلاً للصلاة بالجماعة لمعرفته بالأحكام. وزوَّجه وهو ابن اثني عشر سنة -بُعيد بلوغه-، ثم أذن له بالحج -للمرة الأولى- فحجَّ وقصد المدينة المنورة وأقام فيها شهرين ثم رجعَ بعد الزيارة. ثم شرع في طلب العلم، فقرأ على والده وأخذ عنه الفقه على المذهب الحنبلي بسنده المتصل بأئمة المذهب إلى الإمام أحمد بن حنبل.
دخل المدينة بعد إتمامه الحجّ في مكة -للمرة الثانية-، أين التقى بالعالم السلفي عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي، فقرأ عليه وأجازه بكل ما حواه ثبت الشيخ عبد الباقي أبي المواهب الحنبلي قراءة وتعليما من صحيح البخاري بسنده إلى مؤلفه، وصحيح مسلم بسنده إلى مؤلفه، وشروح كل منهما، وسنن الترمذي بسنده، وسنن أبي داود بسنده، وسنن ابن ماجة بسنده، وسنن النسائي الكبرى بسنده، وسنن الدارمي ومؤلفاته بالسند، وسلسلة العربية بسندها عن أبي الأسود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكتب النووي كلها، وألفية العراقي، والترغيب والترهيب للمنذري، والخلاصة لابن مالك (ألفية ابن مالك)، وسيرة ابن هشام وسائر كتبه، ومؤلفات ابن حجر العسقلاني، وكتب القاضي عياض، وكتب القراءات، وكتاب الغنية لعبد القادر الجيلي، وكتاب القاموس بالسند إلى مؤلفه، ومسند الإمام الشافعي، وموطأ مالك، ومسند الإمام الأعظم، ومسند الإمام أحمد، ومسند أبي داود الطيالسي ومعاجم الطبراني، وكتب السيوطي، وفقه الحنابلة وسلسلته وأصولهم. قال عنه محمد بن عبد الوهاب: «كنت عنده يومًا، فقال لي: تريد أن أريك سلاحًا أعددته للمجمعة؟ قلت: نعم. فأدخلي منزلاً عنده فيه كتبًا كثيرة. وقال: هذا الذي أعددنا لها». لكن عبد الله توفي قبل أن يستعمل كتبه ويبدأ دعوته. كما مضى الشيخ عبد الله إلى الشيخ العلامة محمد حياة السندي المدني، فأخبره بتلميذه محمد بن عبد الوهاب، وعرفه به، وبأهله، فاستفاد منه وأخذ عنه كتب الحديث إجازة في جميعها وقراءة في بعضها، وكتَب كتاب الهدى لابن القيم بيده، وكتب متن البخاري، ودرس النحو، وحفظ ألفية بن مالك. وذلك بعدما علم عنه استقامة عقيدته التي وافقت منهجه السلفيّ، إذ كان ابن عبد الوهاب واقفًا يومًا عند الحجرة النبوية والناس يدعون ويستغيثون عند قبر رسول الله ﷺ، فسأل شيخه السندي عن ذلك، فقال: «إن هؤلاء مُتبرأ ما هم فيه، وباطل ما كانوا يعملون». كما التقى بالشيخ علي أفندي بن صادق بن محمد بن إبراهيم الداغستاني وأجازه بكل ما حواه ثبت الشيخ أبي المواهب الحنبلي قراءة وتعلما وتعليما، مما تقدم ذكره في إجازة الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي للإمام محمد بن عبد الوهاب. وأخذ عن المحدث الشيخ إسماعيل العجلوني وغيرهما من العلماء.
سافر إلى البصرة أكثر من مرة، أين التقى بعلمائها وأخذ عنهم العِلم. فدخل إلى قرية المجموعة(6) ولازم الشيخ محمد المجموعي وآخرين، حيث تعلم الفقه والنحو وكتب الكثير من اللغة والحديث. ثم عرض على المجموعي عقيدته وفكره المتمثل في «إنكار التوسل، والتبرك بالقبور وبالأولياء، والبدع بكافة أشكالها»، فاستحسن المجموعي قوله ووافقه عليه. في فترة إقامته بالبصرة أخذ يُنكر على العلماء والعامة ما اعتبره أعمالًا بدعيَّة وشِركيَّة. كما صَنَّف في تلك الفترة «كتاب التوحيد»، ولما زادت شدة إنكاره عليهم أخرجوه منها بعدما آذَوهُ. وأثناء توجهه إلى قرية الزبير أدركه العطش الشديد وأشرف على الهلاك، لولا أنقذه صاحب حمار مَكاري(7) من أهل بلد الزبير فسقاه وأوصله إلى القرية. ثم قصد الأحساء عائدًا إلى بلده.
لما وصل الأحساء نزل عند الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الشافعي الأحسائي الذي طلب منه أن يحضر الأول من فتح الباري، وبيَّن له ما غلط فيه ابن حجر في مسألة الإيمان، وبيَّن أن الأشاعرة خالفو ما صدَّر به البخاري كتابه من الأحاديث والآثار، كما أجازه من طريقين. وجالس عبد الله بن فيروز فوجد عنده الكثير من كُتب ابن القيم وشيخه ابن تيمية، فدرسها واستفاد منها. قام عبد الوهاب إثر ذلك برحلات قصيرة تمثلت في؛ رجوعه إلى البصرة، ثم خروجه منها باتجاه مكة قاصدًا الحج، فأخذ عن طبقة كبار تلاميذ عبد الله بن سالم البصري وتلاميذ تلاميذه ولم يثبت أنه أخذ عن البصري مباشرة. وبعد أن أتمَّ حجه، انطلق نحو المدينة وهو ينوي الذهاب للشام إثر ذلك. بيدَ أنه تعرض للضرب ولسرقة أمواله من سُرَّاق الحجيج في الطريق فانثنى عزمه عن الذهاب للشام وقيِل في رواية أخرى أنه فقدَ ماله أثناء توجهه إلى قرية الزبير بعد طرده من البصرة. والمُشترك بين الروايتين أن الواقعة حصلت حين عزمه الذهاب للشام فألغى ذلك، وهو دليل عكس ما قِيل من أنه سافر إلى الشام كما ذكره خير الدين الزركلي في الأعلام، وإلى فارس وإيران وقم وأصفهان كما يذكره بعض المستشرقين ونحوهم في مؤلفاتهم. فهذه الأشياء غير صحيحة لأن حفيده عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ وابنه عبد اللطيف وابن بشر نصوا على أن محمد بن عبد الوهّاب لم يتمكن من السفر إلى الشام.
قصد بلد حريملاء التي انتقل إليها أبوه عبد الوهاب سنة 1139 هـ، بعدما عزله عن القضاء محمد بن حمد بن معمر (الثاني) المُلقب بـ خرفاش، إثر توليه السلطة بعد وفاة والده عبد الله بن معمر. حاول محمد بن عبد الوهاب الجهر بدعوته وعقيدته بين أهل حريملاء، ولما كثُر إنكاره للأفعال التي رآها مُبتدعة وشركية، وقع بينه وبين والده وأناس في البلد نزاع واعتراض على دعوته، حال دون مواصلته نشر دعوته لأربع سنوات، وضع خلالها كتابه «التوحيد»، الذي يُعَدُّ أشهرَ كُتبهِ، كما تبعه في آراءه ودعوته خَلقٌ كثير. أمَّا من عارضه، فحاول فئة منهم اغتياله ليلًا، قيل أنهم من العَبيد التابعين لإحدى القبيلتين اللتان تترأسان حريملاء. عندما علموا أنه حرَّض الأمراء على عقوبتهم لقاء تعرضهم للناس بالسلب والنهب، ولما تسوَّروا عليه الجدار تفطن لهم الناس فصاحوا بهم فهربوا.
عاد الشيخ ابن عبد الوهاب إلى العيينة سنة 1154 هـ، بعدما خلف عثمان بن حمد بن معمر أخاه محمد في الإمارة والحكم، وتزوج فيها من عمته الأمير الجوهرة بنت عبد الله بن معمر. وتلقاه عثمان بالقبول وأكرمه وسانده في مشروع دعوته، حتَّى أنه وافقه على هدم قبة الصحابي زيد بن الخطاب، التي كانت مزارًا لأهالي قرية الجبيلة القريبة، لِمَا ورد في الحديث النبوي في صحيح مسلم عن النهي أن يجصص(8) القبر وأن يُقعَد عليه وأن يُبنى عليه. فسار معه عثمان ونحو 600 مُقاتل واستطاعوا هدمها دون قتال رغم محاولة الأهالي الوقوف دون ذلك. كما قطع أشجارًا كانت تُعظَّم وتُعلَّق عليها التمائم. وأمر برجم امرأة مُحصنة زنَت واعترفت بذلك عنده.
كل ذلك ساهم في اشتهار أخباره في الآفاق حتى بلغ أمره سُلَيمان بن محمَّد رئيس الأحساء وبني خالد آنذاك، فأرسل على مرتين إلى عثمان كتابًا يتهدده فيه إن لم يقتل الشيخ محمد أو يخرجه من بلده بأن يقطع خراجه عنده في الأحساء، فتمَّ له ذلك. أمر عثمان على فارس عنده اسمه الفُرَيد الظفيري اللامي ومعه خيالة منهم طوالة الحمراني؛ بإيصال الشيخ محمد ابن عبد الوهاب حيث يريد، فاختار الانتقال إلى مدينة الدرعية، لتنامي قوتها في ذلك الوقت ولاستقلاليتها وعدم وجود سلطة خارجية عليها.
في سنة 1158 هـ، وصل الشيخ محمد إلى الدرعية. فنزل في اليوم الأول عند عبد الله بن عبد الرحمن بن سويلم، وفي اليوم الثاني عند ابن عمه وتلميذه أحمد بن سويلم. ثم التقى في بيت ابن سويلم ببعض علماء الدرعية وشاركهم دعوته، فوافقوه وأرادوا أن يشيروا على ابن سعود بنصرته، فهابوه. فأتوا إلى زوجته الأميرة موضي وأخيه ثنيان، وأخبروهما بمكان محمد بن عبد الوهّاب ووصفوا ما يأمر به وينهى عنه، فاتبعا دعوة الشيخ وقررا نصرته. وحينما دخل محمد بن سعود على زوجته؛ أخبرته بمكان الشيخ وقالت له: «هذا الرجل ساقه الله إليك وهو غنيمة فاغتنم ما خصك الله به»، فقبل قولها ثم دخل على أخيه ثنيان وأخيه مشاري فأشارا عليه بمساعدته ونصرته. فزاره الأمير مع أخويه في بيت بن سويلم، ورحَّب به وأبدى غاية الإكرام والتبجيل وأخبره أنه يمنعه بما يمنع به نساءه وأولاده. فعرض عليه ابن عبد الوهاب مشروع دعوته وما يرنو إليه، فوافقه بن سعود على ذلك ووعده بالمساعدة والنصرة؛ بشرط أن لا يرجع عنه إذا حصل النصر والتمكين، وأن لا يمنعه من الخراج الذي ضربه على أهل الدرعية وقت الثمار. فتمَّت البيعة بينهما التي عُرفت فيما بعد بميثاق الدرعية. ومنذ ذلك اليوم انتقلت الدعوة إلى طور التنفيذ والجهاد. كان ابن عبد الوهاب مسؤولاً عن الشؤون الدينية، وابن سعود مسؤولاً عن القضايا السياسية والعسكرية. وهو ما شكَّلَ شبه تقاسمٍ للسُّلطة ظَلَّ قائمًا لمدة تُقارب 300 سنة بين آل سعود وآل الشيخ وأتباع ابن عبد الوهَّاب. وفَّر زخمًّا وضغطًا أيديولوجي للتوسع السعودي.
انتشر الخبر، وبدأ المهاجرون من أتباع الشيخ محمد بالقدوم من العيينة وعدة بلدان، مما جعل عثمان بن معمر يندم على إخراجه من بلده، فركب إليه مع عدة رجال من سادة العيينة وأشرافها وسأله الرجوع، غير أن ابن عبد الوهاب فوَّض القرار إلى محمد بن سعود فأبى ذلك وأصرَّ على استبقاءه، فرجع عثمان. وبدأ محمد بن عبد الوهاب في إقامة الدروس لأهل الدرعية، وكانت له المشورة في جُلّ الأمور. ثم همَّ بإرسال الرسائل إلى أمراء ورؤساء وقضاة البلدان المجاورة وإلى مُدَّعي العلم فيهم، يدعوهم فيها إلى الامتثال لدعوته الدينية وتوحيد صفوفهم القتالية والسياسية، فمنهم من وافقه وبايعه كعثمان بن معمر وأهل حريملاء ومنهم من أعرَض أو سخر؛ فأمر بالجهاد ضدهم. فبدأت سلسلة معارك مُتصلة امتدت من سنة 1160 هـ إلى سنوات بعد وفات ابن عبد الوهاب. كان محمد بن عبد الوهاب يُشرف على تجهيز الجيوش وإرسال السرايا، وكانت الأوامر تصدر من عنده.
من علماء نجد:
من الأمراء المحاربين له:
بسم الله الرحمن الرحيم أشهد الله، ومن حضرني من الملائكة، وأشهدكم، أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة: من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله ﷺ، من غير تحريف ولا تعطيل؛ بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير. فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيّف، ولا أمثّل صفاته تعالى بصفات خلقه، لأنه تعالى لا سميَّ له، ولا كفء له، ولا نِدّ له، ولا يقاس بخلقه. فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً؛ فنَزّه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل، وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل، فقال: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ١٨٠ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ١٨١ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ١٨٢﴾ [الصافات:180–182]. والفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى، بين القدرية والجبرية، وهم في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية، وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية، وهم وسط في باب أصحاب رسول الله ﷺ بين الروافض والخوارج. |
أثيرت حول دعوة ابن عبد الوهاب شبهات وأقاويل وردود عديدة، ارتبطت بأهداف ومسلك دعوته، واعتبرها منتقدوه مخالفة للدين والسنّة. ومن أهم التُهم التي وُجهت له:
عدد من المخالفين لابن عبد الوهَّاب وافقوه فيما دعا إليه من بيان التوحيد وتقريره، والنهي عن الشرك والتحذير منه، دون أن يوافقوه في مسألة التكفير والقتال.
ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهَّاب هذه الشُّبهة حيث قال في رسالته إلى محمد بن عيد: «قبل الكلام، اعلم أني عُرفت بأربع مسائل: الأولى: بيان التوحيد، مع أنه لم يطرق آذان أكثر الناس. الثانية: بيان الشرك، ولو كان في كلام من ينتسب إلى العلم أو عبادة، من دعوة غير الله، أو قصده بشيء من العبادة، ولو زعم أنهم يريدون أنهم شفعاء عند الله؛ مع أن أكثر الناس يظن أن هذا من أفضل القربات، كما ذكرتم عن العلماء أنهم يذكرون أنه قد وقع في زمانهم. الثالثة: تكفير من بان له أن التوحيد هو دين الله ورسوله، ثم أبغضه ونفّر الناس عنه، وجاهد من صدق الرسول فيه، ومن عرف الشرك وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بُعث بإنكاره، وأقر بذلك ليلاً ونهاراً، ثم مدحه وحسّنه للناس، وزعم أن أهله لا يخطئون لأنهم السواد الأعظم. وأما ما ذكر الأعداء عني: أني أكفّر بالظن، وبالموالاة، أو أكفّر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله. الرابعة: الأمر بقتال هؤلاء خاصة، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. فلما اشتهر عني هؤلاء الأربع، صدقني من يدّعي أنه من العلماء في جميع البلدان في التوحيد وفي نفي الشرك، وردّوا على التكفير والقتال.»
ثم أجاب عنها قائلًا: «ولكنهم يجادلونكم اليوم بشبهة واحدة، فاصغوا لجوابها. وذلك أنهم يقولون: كل هذا حق. نشهد أنه دين الله ورسوله، إلا التكفير والقتال. والعجب ممن يخفى عليه جواب هذا! إذا أقروا أن هذا دين الله ورسوله، كيف لا يكفر من أنكره، وقتل من أمر به وحبسهم؟!...»
اعتبر عدة معارضين للدعوة الوهابية بأن المسلك الذي اعتمده ابن عبد الوهاب في دعوته يُعَدُّ من فعل الخوارج. رُغم نفيه وأتباعه الانتساب لهم وانتقادهم لهذه الطائفة.
قال ابن عبد الوهَّاب: «الذي نُكفِّر: الذي يشهد أنّ التوحيد دين الله ودين رسوله، وأنّ دعوة غير الله باطلة، ثم بعد هذا يُكفِّرُ أهلَ التوحيد، ويُسمِّيهم الخوارج..».
ردّ ابن عبد الوهَّاب عن هذه التهمة قائلاً: «إن قالَ قائلُهم: إنَّهم يكفرون بالعموم، فنقول: سبحانك هذا بهتانٌ عظيم..»
اعتبره مخالفون ومؤيدون له مُبتدعًا لمذهب جديد في الإسلام أو مذهب خامس. قال طه حسين في مجلة الهلال، العدد الخامس بتاريخ 1 مارس 1933م، في مقالة بعنوان «الحياة الأدبية في جزيرة العرب»: «ومن الغريب أن ظهور هذا المذهب الجديد في نجد قد أحاطت به ظروف تذكر بظهور الإسلام في الحجاز..»
مع أنه وأتباعه ليس لهم مذهب خاص بهم، فهم في العقيدة سلفيون، وفي الفروع على المذهب الحنبلي، وفي الانتساب لطائفة أهل السنة والجماعة. قال ابن عبد الوهَّاب: «فنحن - ولله الحمد - متبعون لا مبتدعون، على مذهب الإمام أحمد بن حنبل..».
ما يُمكن ملاحظته في أعماله نُدرة ذكره للصوفيّين، فهو لم يستخدم مُصطلح الصوفية على الإطلاق. فبدلًا من استهداف الصوفية كظاهرة أو جماعة، أدان ابن عبد الوهاب ممارسات معينة يطبقونها اعتبرها آثمة ومحرَّمة.
مؤلفاته كثيرة، فقد ألَّف عددًا من الكتب والرسائل، منها:
قامت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالمملكة العربية السعودية في عام 1396هـ الموافق لـ 1976م بجَمع مؤلفاته وتحقيقها في 13 مجلد بعنوان «مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب». كما وضع الدكتور أحمد الضبيب مؤلفًا بعنوان «آثار الشيخ محمد بن عبد الوهاب: سجل ببليوجرافي لما نُشِر من مؤلفاته ولبعض ما كُتِب عنه»، ذكر فيه جميع مؤلفات ورسائل الشيخ، ونُشر عام 1402هـ الموافق لـ 1982م.
كما كان محمد بن عبد الوهاب متأثرًا بالإمام أحمد بن حنبل وبكُتُب ابن القيم وابن تيمية.
أخذ عن محمد بن عبد الوهّاب كثير من أهل الدرعية والواردين عليها، وممن تتلمذ عليه:
قال ابن بشر: «وأخذ عنه من القضاة ممن لا يحضرني الآن عَدُّه عدد كثير. وأخذ عنه ممن لم يلي القضا من الرؤساء والأعيان ومن دونهم الجم الغفير».
بعد توقف تدخلاته في الشأن العام، بقي ابن عبد الوهاب مستشارًا لعبد العزيز الذي كان يَتَّبعُ توصياته. ومع ذلك، انسحب من أي أنشطة عسكرية وسياسية نشطة لإمارة الدرعية وكرس نفسه للمساعي التعليمية والوعظ والعبادة. وكان آخر نشاطه الرئيسي في شؤون الدولة عام 1202 هـ. عندما دعا الناس إلى بيعة سعود بن عبد العزيز كوريثٍ شرعيٍّ للحُكم.
في عام 1206 هجري (ق. 1791 ميلادي) توفي محمد بن عبد الوهّاب في الدرعية. قال ابن غنام: «كان ابتداء المرض به في شوال، ثم كان وفاته في يوم الاثنين من آخر الشهر.» وكذا قال عبد الرحمن بن قاسم، وكان بلغ من العمر نحو اثنين وتسعين عامًا، وتوفي ولم يخلف مالًا يُوزَّع بين ورثته. دُفنَ في الدرعية، وقبره قبر عادي كغيره من القبور هناك، قرب وادي حنيفة في مقبرة قريوي.
أصبح العديد من أبنائه رجال دين ذوي امتيازات، وعُرف أحفاده بآل الشيخ، حيث ظلوا يشغلون مكانة خاصة في الدولة السعودية طوال تاريخها الذي لا يزال مستمرًّا. ازدهرت الإمارة لأكثر من عقدين من الزمن بعد وفاة ابن عبد الوهاب؛ حتى هزيمة الدولة السعودية الأولى في الحرب العثمانية السعودية. قضى عبد الله أيامه الأخيرة منفيا في القاهرة، بعد أن شهد تدمير الدرعية وإعدام ابنه سليمان بن عبد الله عام 1233 هـ.
انتشرت له بعض الصور المزعومة على الإنترنت، إلا أنّه لم تثبت له أي صورة حقيقيَّة، وذلك لأن أقدم صورة فوتوغرافية باقية للكاميرا كانت عام 1826م أو 1827م على يد لويس داجير؛ وكان ذلك بعد وفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بمدة 35 سنة.
ظل منزل محمد بن عبد الوهاب في بلدة حريملاء معروفًا عند أهلها في حي غيلان، وكان تصميمه وحاله كمثل البيوت المجاورة، ومساحته حوالي 275 متر مربع (2,960 قدم2). بادرت الإدارة العامة للآثار والمتاحف بترميم بيت محمد بن عبد الوهاب، وأُعلِنَ عن الخبر في جريدة الرياض في 21 شوال 1412 هـ. ولمّا علمَ بذلك عبد العزيز بن باز مفتي السعودية، نشرَ بيانًا باسمه واسم اللجنة الدائمة للإفتاء يُحرّمُ فيه هذا الترميم ويأمر بهدم البيت سدًّا لذريعة اتخاذ المكان مزارًا للتبرّك والغلو في شخص محمد بن عبد الوهاب؛
«لا يجوز تعظيم آثار العلماء بما يفضي إلى الغلو فيهم والشرك بهم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد.
فقد نشرت صحيفة الرياض في عددها الصادر في 21\10\1412 هـ مقالا بقلم: س. د تحت عنوان: (ترميم بيت الشيخ محمد بن عبد الوهاب بحريملاء) وذكر أن الإدارة العامة للآثار والمتاحف أولت اهتماما بالغا بمنزل مجدد الدعوة السلفية الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في حي غيلان بحريملاء؛ حيث تمت صيانته وأعيد ترميمه بمادة طينية تشبه مادة البناء الأصلية. إلى أن قال: وتم تعيين حارس خاص لهذا البيت. إلخ وقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية على المقال المذكور ورأت أن هذا العمل لا يجوز، وأنه وسيلة للغلو في الشيخ محمد رحمه الله وأشباهه من علماء الحق والتبرك بآثارهم والشرك بهم، ورأت أن الواجب هدمه وجعل مكانه توسعة للطريق سدا لذرائع الشرك والغلو، وحسما لوسائل ذلك وطلبت من الجهة المختصة القيام بذلك فورا، ولإعلان الحقيقة والتحذير من هذا العمل المنكر جرى تحريره، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن باز»
فصدر إثر ذلك أمر حكومي بهدم البيت، وأشرفت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الهدم ونقل الأنقاض خارج المدينة.
{{استشهاد}}
: صيانة الاستشهاد: مكان بدون ناشر (link){{استشهاد}}
: صيانة الاستشهاد: ref duplicates default (link)محمد بن عبد الوهاب في المشاريع الشقيقة: | |
|
This article uses material from the Wikipedia العربية article محمد بن عبد الوهاب, which is released under the Creative Commons Attribution-ShareAlike 3.0 license ("CC BY-SA 3.0"); additional terms may apply (view authors). المحتوى متاح وفق CC BY-SA 4.0 ما لم يرد خلاف ذلك. Images, videos and audio are available under their respective licenses.
®Wikipedia is a registered trademark of the Wiki Foundation, Inc. Wiki العربية (DUHOCTRUNGQUOC.VN) is an independent company and has no affiliation with Wiki Foundation.