صوفية عبارة: مصطلح صوفي في الإسلام

العبارة عند الصوفية هي تصريح عن معارف وأحاسيس ومشاهدات وتجارب، على خلاف تلميح الإشارة، مردها إلى كثرة ذكر وتدبر المريد وشعوراته وأذواقه ضمن مقام الإحسان.

تعريف

العبارة هي إفصاح رمزي من معالم الخطاب الصوفي القائم كذلك على لطف "الإشارة الصوفية"، ضمن خطاب تؤطره روحانية المشهد وبُعد غور المعتقد.

فالعبارة كلام منطوق أو مكتوب يخرج من لب المريد، كما وصفها ابن عطاء الله السكندري:

«كُلُّ كَلاَمٍ (أي: عبارة) يَبْرُزُ، وَعَلَيْهِ كِسْوَةُ الْقَلْبِ الَّذِي مِنْهُ بَرَزَ» – الحكم العطائية

أسبابها

تنقسم مسببات بروز العبارة من أفواه وكتابات المريدين إلى قسمين: «التعبير المأذون» و«التعبير المُتكلَّف».

أما فيما يخص التعبير المأذون، فيقول عنه ابن عطاء الله السكندري:

«مَنْ أُذِنَ لَهُ فِي التَّعْبِيرِ: فُهِمَتْ فِي مَسَامِعِ الْخَلْقِ عِبَارَتُهُ، وَجُلِّيَتْ إِلَيْهِمْ إِشَارَتُهُ» – الحكم العطائية

أي من أذن الله -تعالى- له من العارفين في التعبير عن الحقائق، وهي العلوم الوهبية، فُهِمت في مسامع الخلق عبارته، فلم يفتقروا إلى معاودة ولا تكرار، وجُلِّيت وظهرت إشارته إليهم فلم يحتاجوا إلى إطناب ولا إكثار.

بخلاف غير المأذون له في ذلك، حينما يكون «التعبير مُتَكَلَّفًا» كما يقول عنه ابن عطاء الله السكندري:

«رُبَّمَا بَرَزَتِ الْحَقَائِقُ مَكْسُوفَةَ الأَنْوَارِ: إِذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَكَ فِيهَا بِالإِظْهَارِ» – الحكم العطائية

فربما برزت الحقائق التي هي العلوم الوهبية مكسوفة الأنوار إذا لم يؤذن لك في إظهارها فتمجها الأسماع ولا يحصل بها للسامعين استبصار، وقد كان أبو العباس المرسي يقول:

«كلام المأذون له يخرج وعليه كسوة وطلاوة، وكلام الذي لم يؤذن له يخرج مكسوف الأنوار. حتى أن الرَّجُلَيْنِ ليتكلمان بالحقيقة الواحدة فتقبل من أحدهما وترد على الآخر» – أبو العباس المرسي

وكان يقول:

«الْوَلِيُّ يَكُونُ مَشْحُونًا بِالْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ، وَالْحَقَائِقُ لَدَيْهِ مَشْهُودَةٌ، حَتَّى إِذَا أُعْطِيَ الْعِبَارَةَ: كَانَ كَالإِذْنِ مِنَ اللهِ لَهُ فِي الْكَلاَمِ» – أبو العباس المرسي

أهدافها

تنقسم أهداف ظهور العبارة من لدن أفئدة المتصوفة إلى قسمين: «فيض الوجد» و«هداية المريد».

وأبانت إحدى الحكم العطائية عن هذا الفرق حين يقول ابن عطاء الله السكندري:

«عِبَارَاتُهُمْ إِمَّا لِفَيَضَانِ وُجْدٍ، أَوْ لِقَصْدِ هِدَايَةِ مُرِيدٍ. فَالأَوَّلُ حَالُ السَّالِكِينَ، وَالثَّانِي حَالُ أَرْبَابِ الْمَكِنَةِ وَالْمُحَقِّقِينَ» – الحكم العطائية

فعباراتهم التي يعبرون بها عن العلوم والمعارف التي يجدونها في باطنهم لا تكون إلا لأحد أمرين: إما لفيضان وُجد -بضم الواو-، أي لفيضان ما يجدونه في قلوبهم من ذلك، فيخرج قهراً عنهم، وهذا حال السالكين المهديين.

وإما لقصد هداية مريد، وهم أرباب المكنة أي التمكين فيلزمهم ذلك لما فيه من الإرشاد إلى سلوك سبيل الرشاد، فإن عبر السالك لا عن غلبة وجد كان في ذلك نوع من الدعوى.

وإن عبر المتمكن لغير قصد هداية مريد كان من إفشاء السر الذي لم يؤذن له فيه.

فوائدها

حينما ينطق العارف بالله -تعالى- ببعض الفتح المغدَق عليه، فإن لذلك بعض الفوائد على المريدين متى توفر الإخلاص ووُجد الصواب.

وقد أوضح ابن عطاء الله السكندري فضل التعبير عن الواردات حينما قال:

«الْعِبَارَاتُ قُوتٌ لِعَائِلَةِ الْمُسْتَمِعِينَ، وَلَيْسَ لَكَ إِلاَّ مَا أَنْتَ لَهُ آكِلٌ» – الحكم العطائية

فالعبارات التي يعبر بها الصوفية عن العلوم والمعارف هي من حيث معناها قوت لأرواح جماعة المستمعين المريدين، كما أن الأطعمة الحسية قوت لأبدان المحتاجين لها.

وهذه الأقوات المعنوية كالأقوات الحسية من حيث إنها تختلف باختلاف الطبائع، فكما أن بعض الأطعمة قد يصلح لشخص دون آخر للاختلاف في الطبيعة والمزاج، فكذلك الأقوات المعنوية منها ما يصلح لواحد دون آخر.

وليس لك إلا ما أنت له آكل، أي إلا ما فهمته عنهم، لاختلاف المذاهب وتباين المطالب، فقد تُلْقَى العبارة على جماعة، فيفهم كل واحد منهم ما لا يفهمه الآخر، وقد يفهم بعضهم من الكلام معنى لم يقصده المتكلم، ويتأثر باطنه بذلك تأثراً عجيباً، وربما فهم منه ضد ما قصده المتكلم.

محاذيرها

يعتري التعبير المسترسل عن الأذواق والأسرار والأنوار والمشاهدات العديد من المفاسد والمحاذير.

وجاء التحذير من الإفصاح عن هذه المواجد في ما ورد عن ابن عطاء الله السكندري:

«لاَ يَنْبَغِي لِلسَّالِكِ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ وَارِدَاتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُقِلُّ عَمَلَهَا فِي قَلْبِهِ، وَيَمْنَعُهُ وُجُودَ الصِّدْقِ مَعَ رَبِّهِ» – الحكم العطائية

فلا ينبغي للسالك أن يعبر عن الواردات التي ترد عليه من العلوم الوهبية والأسرار التوحيدية اختياراً منه، بل يصونها عن كل أحد إلا عن شيخه.

فإن إفشاءها والبوح بها للغير يقل عملها في قلبه من التأثير المحمود، فلا يحصل له كمال الانتفاع بها، ويمنعه وجود الصدق مع ربه، لأن النفس تجد عند التعبير بها لذة وانشراحاً فيغلب عليه حظ نفسه.

ذلك أن المريد في حال سيره إلى الله مأمور بالكتمان لعلمه وعمله وحال وارداته، فإفشاؤه لعمله من قلة إخلاصه، وإفشاؤه لأحواله من قلة صدقه مع ربه.

فيديوهات

المراجع


Tags:

صوفية عبارة تعريفصوفية عبارة أسبابهاصوفية عبارة أهدافهاصوفية عبارة فوائدهاصوفية عبارة محاذيرهاصوفية عبارة فيديوهاتصوفية عبارة المراجعصوفية عبارةإحسان (إسلام)إشارة (صوفية)ذكر (إسلام)ذوق (صوفية)صوفيةمريدمقام (تصوف)

🔥 Trending searches on Wiki العربية:

صلاة إبراهيميةلبنانصلح الحديبيةإبراهيمكسكسجوني سنسإنتر مياميأنغامرتبة عسكريةرحيل (مسلسل)عمر الخيامجائزة الكرة الذهبيةفريدة سيف النصرالبوذيةالدوري الإسبانيأرطغرلمحمد علي باشاعلم فلسطينماءميتا بلاتفورمزالحرب الأهلية الأمريكيةموقعة الجملمارسمعركة حطينحلبة (نبات)الدولة المملوكيةإيرانخالد بن عبد العزيز آل سعودأبو بكر الصديقرمضانتشي جيفارالوكا مودريتشمبطلات الصومأدولف هتلرأبو طالب بن عبد المطلبجعفر الصادقكنافةكسوف الشمس 8 أبريل 2024ليلى غفرانسمية رضاألكسندر غراهام بلطاجيكستانعمرو بن العاصنمر النمرأسماء الله الحسنىبدر الدين الجماليالحرب الفلسطينية الإسرائيلية 2023بنغلاديشاللغة الإنجليزيةأورخان غازيمنتخب الأرجنتين لكرة القدمعنترة بن شدادمهاتما غانديترانزستور ثنائي القطبالعز بن عبد السلاميوسف الصديق (مسلسل)مايوسليم الأولقابيل وهابيلجميل بن إبراهيم الحجيلانيهودية حريديةتقويم ميلاديدانيالماسونيةقلعة ألموتكأس العالم 2026أحد الشعانينأبجدية عربيةجزء عممدائن صالحفاءتوماس إديسونفيودور دوستويفسكيفيسبوكالدولة الأمويةاللغة العربيةتارتاريهاروت وماروت🡆 More